فصل: السنة الثالثة من ولاية عبد الله بن عبد الرحمن التجيبي على مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الثالثة من ولاية عبد الله بن عبد الرحمن التجيبي على مصر

وهي سنة أربع وخمسين ومائة‏.‏

فيها قدم الخليفة أبو جعفر المنصور الشام وزار بيت المقدس ثم جهز يزيد بن حاتم في خمسين ألفًا لحرب الخوارج بإفريقية وأنفق المنصور على الجيش المذكور مع شحه بالمال ستين ألف ألف درهم وزيادة ثم ولى قضاء دمشق ليحيى بن حمزة فاعتل يحيى بأنه شاب فقال‏:‏ إني أرى أهل بلدك قد أجمعوا عليك فإياك والهدية فبقي يحيى على قضاء دمشق ثلاثين سنة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وفيها نزلت صاعقة بالمسجد الحرام فأهلكت خمسة نفر‏.‏

وفيها مات الوزير أبو أيوب المورياني وكان المنصور صادره وسجنه وأخاه خالدًا وبني أخيه في السنة الماضية فلما مات ضرب المنصور أعناق بني أخيه‏.‏

وفيها حج بالناس محمد بن الإمام إبراهيم العباسي أمير مكة‏.‏

وفيها توفي الحكم بن أبان العدني وهو من الطبقة الثالثة من أهل اليمن كان سيد أهل اليمن في الزهد والعبادة والصلاح كان يصلي الليل كله فإذا غلبه النوم ألقى نفسه في الماء وقال لنفسه‏:‏ سبحي الله عز وجل مع الحيتان‏.‏

وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر قال‏:‏ وتوفي أشعب الطماع وجعفر بن برقان والحكم بن أبان العدني وربيعة بن عثمان التيمي وعبد الله بن نافع مولى ابن عمر وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي وعبيد الله بن عبد الله بن موهب وعلي بن صالح بن حي الكوفي وعمر بن إسحاق بن يسار المدني وقرة بن خالد السدوسي ومحمد بن عبد الله بن مهاجر الشعيثي وأبو عمرو بن العلاء المازني ومعمر في قول‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراع وستة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا‏.‏

ولاية محمد بن عبد الرحمن على مصر هو محمد بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج التجيبي أمير مصر وليها باستخلاف أخيه عبد الله بن عبد الرحمن له بعد موته فأقره الخليفة أبو جعفر المنصور على ذلك وولاه مصر على الصلاة والخراج وذلك في سنة خمس وخمسين ومائة فجعل على شرطته العباس بن عبد الرحمن بن ميسرة وسكن المعسكر وسار في الناس سيرة مشكورة غير أنه لم تطل أيامه ومرض ولزم الفراش حتى مات في النصف من شوال من سنة خمس وخمسين ومائة‏.‏

فكانت ولايته على إمرة مصر استقلالًا بعد موت أخيه عبد الله ثمانية أشهر ونصفًا‏.‏

وتولى إمرة مصر من بعده موسى بن وفي أيام ولايته على مصر خرجت عساكر مصر إلى إفريقية صحبتها يزيد بن حاتم فقام محمد هذا بأمرهم أتم قيام وجهزهم وحمل إلى يزيد الأموال والخيل والسلاح والرواتب حتى سار إلى جهة المغرب وقاتل من بها وقتل أبا عاد وأبا حاتم وملك القيروان وسائر الغرب وبعث إلى محمد هذا ليعرف الخليفة بذلك فوجده الرسول قد مات قبل وصوله بأيام‏.‏

وقد تقدم ذكر نسب محمد هذا في ترجمة أخيه عبد الله بن عبد الرحمن فلا حاجة للإعادة‏.‏

السنة التي حكم فيها محمد بن عبد الرحمن وغيره من الأمراء على مصر وهي سنة خمس وخمسين ومائة‏.‏

فيها استنقذ يزيد بن حاتم المعزول عن إمرة مصر قبل تاريخه بلاد المغرب من يد الخوارج بعد حروب عظيمة وقتل أبا عاد وأبا حاتم ملكي الخوارج ومهد إقليم المغرب وأصلح أموره وبقي على إمرة المغرب خمسة عشر عامًا أميرًا‏.‏

وفيها عزل الخليفة أبو جعفر المنصور عن إمرة المدينة الحسن بن زيد العلوي بعبد الصمد بن علي العباسي عم الخليفة المنصور‏.‏

وفيها بنى المنصور أسوار الكوفة والبصرة ونيسابور وأدار عليها الخندق من أموال أهلها‏.‏

وفيها عزل الخليفة أبو جعفر المنصور أخاه العباس بن محمد عن الجزيرة وصادره وحبسه لشكوى وفيها توفي أشعب بن جبير الطماع وأمه جعدة وقيل أم حميد‏.‏

وقيل إنه كان مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه وقيل مولى سعيد بن العاص وقيل مولى عبد الله بن الزبير وقيل مولى فاطمة بنت الحسين وكان أزرق العينين أحول أقرع نشأ بالمدينة وقيل ولد سنة تسع من الهجرة وعاش دهرًا طويلًا‏.‏

وكان أشعب قد تعبد وقرأ القرآن وتنسك وروى الحديث وكان حسن الصوت وله أخبار كثيرة مستظرفة في الطمع وغيره‏.‏

روى الأصمعي قال‏:‏ عبث الصبيان بأشعب فقال‏:‏ ويحكم‏!‏ اذهبوا سالم يقسم تمرًا فعدوا فعدا معهم وقال‏:‏ ما يدريني لعله حق‏.‏

وقال أبو أمية الطرسوسي‏:‏ حدثنا ابن أبي عاصم النبيل عن أبيه قال‏:‏ قلت لأشعب الطماع‏:‏ أدركت التابعين‏.‏

فما كتبت شيئًا فقال‏:‏ حدثنا عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ لله على عبده نعمتان ‏"‏ ثم سكت فقلت‏:‏ اذكرهما فقال‏:‏ الواحدة نسيها عكرمة والأخرى نسيتها أنا‏.‏

وروى ابن أبي عبد الرحمن الغزي عن أبيه قال أشعب‏:‏ ما خرجت في جنازة فرأيت اثنين يتساران إلا ظننت أن الميت أوصى لي بشيء‏.‏

وعن ابن أبي عاصم قال‏:‏ مررت يومًا فإذا أشعب ورائي فقلت‏:‏ ما لك‏.‏

قال‏:‏ رأيت قلنسوتك قد مالت فقلت‏:‏ لعلها تقع فآخذها‏.‏

فأخذتها عن رأسي فدفعتها إليه‏.‏

وحكايات أشعب في الطمع كثيرة مشهورة وقيل إنه كان وفيها توفي مسعر بن كدام بن ظهير بن عبيدة بن الحارث أبو سلمة الهلالي الكوفي الأحول الحافظ الزاهد‏.‏

قال سفيان بن عيينة‏:‏ رأيت مسعرًا ورعًا يحدثه الرجل بشيء هو أعلم به منه فيستمع له وينصت وما لقيت أحدًا أفضله عليه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع وعشرة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وثمانية عشر إصبعًا‏.‏

M0لية موسى بن علي على مصر هو موسى بن علي بن رباح الأمير أبو عبد الرحمن اللخمي المصري أمير مصر ولي إمرة مصر باستخلاف محمد بن عبد الرحمن التجيبي إليه فأقره الخليفة أبو جعفر المنصور على إمرة مصر على الصلاة وذلك في شوال سنة خمس وخمسين ومائة فجعل على شرطته أبا الصهباء محمد بن حسان الكلبي وباشر إمرة مصر إلى سنة ست وخمسين ومائة وفي ولايته لما خرج عليه قبط مصر وتجمعوا ببعض البلاد فبعث موسى هذا بعسكر فقاتلوهم حتى هزموهم وقتل منهم جماعة وعفا عن جماعة ومهد أمور مصر وكان فيه رفق بالرعية وتواضع وكان يتوجه إلى المسجد ماشيًا وصاحب شرطته بين يديه يحمل الحربة وكان إذا أقام صاحب الشرطة الحدود بين يديه يقول له موسى هذا‏:‏ أرحم أهل البلاد وكان يحدث فيكتب الناس عنه‏.‏

قال الذهبي في ‏"‏ تذهيب التهذيب ‏"‏‏:‏ ولي الديار المصرية ست سنين وحدث عن أبيه وعن الزهري وعن ابن المنكدر وجماعة وحدث عنه أسامة بن زيد الليثي والليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة وابن المبارك وابن وهب ووكيع وأبو عبد الرحمن المصري وعبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن سنان العوفي وروح بن صلاح الموصلي ثم المصري وطائفة آخرهم موتًا القاسم بن هانىء الأعمى بمصر ووثقه أحمد وابن معين والعجلي والنسائي‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ كان رجلًا صالحًا يتقن حديثه لا يزيد ولا ينقص صالح الحديث من الثقات‏.‏

وقال الحافظ أبو سعيد بن يونس‏:‏ ولد بإفريقية سنة تسعين ومات بالإسكندرية سنة ثلاث وستين ومائة‏.‏

وقال غيره‏:‏ أقام على إمرة مصر إلى أن توفي الخليفة أبو جعفر المنصور في سادس ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة وولي الخلافة من بعده ابنه محمد المهدي فأقر المهدي موسى هذا على إمرة مصرة فاستمر على ذلك إلى أن عزله المهدي بعد ذلك في سابع عشر ذي الحجة سنة إحدى وستين ومائة وولى بعده على مصر عيسى بن لقمان فكانت ولايته على مصر ست سنين وشهرين‏.‏

وقال صاحب ‏"‏ البغية ‏"‏‏:‏ ثم صرفه المهدي يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة إحدى وستين ومائة ومدة ولايته ست سنين وشهران‏.‏

قلت‏:‏ وافقنا صاحب ‏"‏ البغية ‏"‏ في المدة والسنة وخالفنا في شهر عزله‏.‏

قلت‏:‏ وفي أيامه كان خروج يوسف بن إبراهيم المعروف بالبرم‏.‏

خرج ملتزمًا بخراسان هو ومن معه منكرًا على الخليفة محمد المهدي ونقم عليه في سيرته التي يسير بها وكتب إلى موسى هذا ليوافقه فنهر قاصده وقبض عليه وكتب بذلك‏!‏ لمهدي واجتمع مع البرم بشر كثير فوجه إليه المهدي يزيد بن مزيد الشيباني وهو ابن أخي معن بن زائدة الشيباني فلقيه يزيد فاقتتلا حتى صارا إلى المعانقة فأسره يزيد المذكور وبعث به وبأصحابه إلى المهدي فلما بلغوا النهروان حمل يوسف البرم على بعير قد حول وجهه إلى ذنبه وكذلك أصحابه فأدخلوهم إلى الرصافة على تلك الحالة وقطعت يدا يوسف ورجلاه ثم قتل هو وأصحابه وصلبوا على الجسر‏.‏

وقيل‏:‏ إن يوسف المذكور كان حروريًا فتغلب على بوشنج وعليها مصعب أبن زريق جد طاهر بن الحسين فهرب منه وكان تغلب أيضًا على مرو الروذ والطالقان وجوزجان وقد كان من جملة أصحابه أبو معاذ الفريابي فقبض عليه معه‏.‏

السنة الأولى هن ولاية موسى وهي سنة ست وخمسين ومائة‏.‏

فيها عزل الخليفة أبو جعفر المنصور الهيثم بن معاوية عن إمرة البصرة بسوار بن عبد الله فاستقر سوار على إمرتها والقضاء جمع له بينهما ولما عزل الهيثم قدم بغداد فأقام أبها أيامأ ومات فجأة على صدر سريته وهو يجامع فخرج المنصور في جنازته وصلى عليه ودفن في مقابر قريش‏.‏

وفيها توفي حمزة بن حبيب بن عمارة أبو عمارة الزيات أحد القراء السبعة كان الأعمش إذا رآه يقول‏:‏ هذا حبر القرآن‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن زياد أبو خالد الإفريقي المعافري قاضي إفريقية كان فقيهًا زاهدًا ورعًا وهو أول مولود ولد بالإسلام بإفريقية وهو من الطبقة الخامسة من أهل المغرب‏.‏

وفد على خلفاء بني أمية وكان قوالًا بالحق مشكور السيرة عدلًا رحمه الله‏.‏

وفيها توفي حماد الراوية أبو القاسم بن أبي ليلى ولاؤه لبكر بن وائل‏.‏

وقيل اسم أبيه سابور بن مبارك الديلمي الكوفي وكان إخباريًا عالمًا علامة خبيرًا بأيام العرب وشعرها وامتحنه الوليد بن يزيد الخليفة في حفظ الشعر فتعب فوكل به من يستوفي عليه فأنشد ألفين وسبعمائة قصيدة مطولة فأمر له الوليد بمائة ألف درهم‏.‏

وفيها توفي أيضًا حماد عجرد واسمه حماد بن يونس بن كليب أبو يحيى الكوفي وقيل‏:‏ الواسطي كان أيضًا إخباريًا علامة وكان بينه وبين بشار بن برد الشاعر الأعمى الآتي ذكره أهاج ومفاوضات وكان بالكوفة في عصر واحد الحمادون الثلاثة‏:‏ حماد الراوية المقدم ذكره وحماد عجرد هذا وحماد بن الزبرقان فكانوا يشربون الخمر ويتهمون بالزندقة‏.‏

قال خلف بن المثنى‏:‏ كان يجتمع بالبصرة عشرة في مجلس لا يعرف مثلهم‏:‏ الخليل بن أحمد صاحب العروض سني والسيد ‏"‏ ابن ‏"‏ محمد الحميري الشاعر رافضي وصالح بن عبد القدوس ثنوي وسفيان بن مجاشع صفري وبشار بن برد خليع ماجن وحماد عجرد زنديق وابن رأس الجالوت الشاعر يهودي وابن نظير النصراني متكلم وعمرو ابن أخت المؤيد مجوسي وابن سنان الحراني الشاعر صابئي فيتناشد الجماعة أشعارًا وأخبارًا فكان بشار يقول‏:‏ أبياتك هذه يا فلان أحسن من سورة كذا وكذا وبهذا المزاح ونحوه كفروا بشارًا وقيل‏:‏ وفاة حماد عجرد سنة خمس وخمسين ومائة وقيل‏:‏ سنة إحدى وستين ومائة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعًان وخمسة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا واثنان وعشرون إصبعًا‏.‏

موسى بن علي اللخمي على مصر وهي سنة سبع وخمسين ومائة‏.‏

فيها أنشأ الخليفة أبو جعفر المنصور قصره الذي سماه الخلد على شاطىء دجلة‏.‏

وفيها عرض المنصور جيوشه في السلاح والخيل وخرج وهو عليه درع وقلنسوة سوداء مصرية وفوقها الخوذة‏.‏

وفيها نقل المنصور الأسواق من بغداد وعملت بظاهرها بباب الكرخ ووسع شوارع بغداد وهدم دورًا كثيرة لذلك‏.‏

وفيها غزا الروم يزيد بن أسيد السلمي فوجه على بعض جيشه سنانًا مولى البطال فسبى وقتل وغنم‏.‏

وفيها توفي سوار بن عبد الله قاضي البصرة كان عادلًا في حكمه شكاه أهل البصرة إلى المنصور فاستقدمه المنصور فلما قدم عليه جلس فعطس المنصور فلم يشمته سوار فقال له المنصور‏:‏ ما لك لم تشمتني فقال‏:‏ لأنك لم تحمد الله فقال المنصور‏:‏ أنت ما حابيتني في عطسة تحابي غيري‏!‏ ارجع إلى عملك‏.‏

وفيها توفي عبد الوهاب ابن الإمام إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي ابن أخي المنصور‏.‏

ولاه عمه المنصور دمشق وفلسطين والصائفة ولم تحمد ولايته وولي عدة أعمال غير ذلك‏.‏

وكان أبوه إبراهيم بويع بالخلافة بعد موت أبيه فلم يتم أمره وقبض عليه مروان الحمار وحبسه حتى مات فعدل الناس بعده إلى أخيه السفاح وبايعوه فتم أمره‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الفقيه أبو عمرو الاوزاعي فقيه الشام وصاحب المذهب المشهور الذي ينسب إليه الأوزاعية قديمًا والأوزاع‏:‏ بطن من همدان وقيل‏:‏ من حمير الشام وقيل قرية بدمشق وقيل‏:‏ إنما سمي الأوزاعي لأنه من أوزاع القبائل ومولده ببعلبك ونشأ بالبقاع ونقلته أمه إلى بيروت فرابط بها إلى أن مات بها فجأة فوجدوه يده اليمنى تحت خده وهو ميت وكان فقيهًا ثقة فاضلًا عالمًا كثير الحديث حجة رحمه الله‏.‏

وفيها توفي محمد بن طارق المكي من الطبقة الثالثة من أهل مكة كان من الزهاد العباد‏.‏

قال محمد بن فضل‏:‏ رأيته في الطواف وقد انفرج له أهل الطواف فحزر طوافه في اليوم والليلة فكان عشرة فراسخ‏.‏

وبه ضرب ابن شبرمة المثل حيث قال‏:‏ ‏"‏ البسيط ‏"‏ لو شئت كنت ككرز في تعبده أو كابن طارق حول البيت في الحرم قد حال عون لذيذ العيش خوفهما وسارعا في طلاب الفوز فالكرم وذكر الذهبي وفاة جماعة مختلف فيهم فقال‏:‏ وفيها توفي - قاضي مرو - الحسين بن واقد وسعيد بن أبي عروبة في قول وطلحة بن أبي سعيد الإسكندراني وعامر بن إسماعيل الحارثي أو عمر بن صهبان الأمير وفقيه الشام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ومحمد بن عبد الله ابن أخي الزهري ومصعب بن ثابت بن الزبير في قول ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي بفتح السين وأبو محنف لوط في قول‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعًان وثمانية عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏

M0لنة الثالثة من ولاية موسى بن علي اللخمي على مصر وهي سنة ثمان وخمسين ومائة‏.‏

فيها حج بالناس إبراهيم بن يحيى بن محمد العباسي ابن أخي الخليفة أبي جعفر المنصور وهو شاب أمرد‏.‏

وفيها مات طاغية الروم‏.‏

وفيها ولى الخليفة خالد بن برمك الجزيرة وكان ألزمه الخليفة المنصور بثلاثة آلاف ألف درهم‏.‏

وفيها توفي زفر بن الهذيل العنبري الإمام الفقيه صاحب أبي حنيفة ومولده سنة عشر ومائة روى علي بن المحرك عن الحسن بن زياد قال‏:‏ كان زفر وداود الطائي متحابين فأما داود فترك الفقه وأقبل على العبادة وأما زفر فجمعهما‏.‏

قال أبو نعيم‏:‏ كنت أعرض الحديث على زفر فيقول‏:‏ هذا ناسخ وهذا منسوخ وهذا يؤخذ وهذا يرفض‏.‏

وقال الحسن بن زياد‏:‏ ما رأيت أحدًا يناظر زفر إلا رحمته‏.‏

قلت‏:‏ يعني لكثرة علومه وبلاغته وقدرته على العلم‏.‏

وهو أول أصحاب أبي حنيفة موتًا رحمه الله‏.‏

وفيها توفي شيبان الراعي وكان من كبار الفقهاء من الزهاد والعباد وكان من أكابر أهل دمشق ثم ترك الدنيا وخرج إلى جبل لبنان فانقطع به وأكل المباحات وصحب سفيان الثوري وغيره‏.‏

قيل‏:‏ إنه كان إذا حصل له جنابة أتته سحابة مطر فيغتسل منها وكان إذا ذهب إلى الجمعة يخط على غنمه خطًا فيجيء فلم يجدها تتحرك‏.‏

قال الهيثم‏:‏ حج شيبان وسفيان الثوري فعرض لهما سبع فقال سفيان‏:‏ أما ترى السبع فقال شيبان لا تخف غير الله عز وجل فلما سمع السبع صوت شيبان جاء إليه وبصبص فعرك شيبان أذنه بعد أن بصبص السبع فقال له‏:‏ اذهب‏.‏

وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أبو جعفر المنصور الهاشمي العباسي ولد في سنة خمس وتسعين أوفي حدودها وأمه أم ولد اسمها سلامة البربرية وروى عن أبيه وجده وروى عنه ولده محمد المهدي وكان قبل أن يلي الخلافة يقال له‏:‏ عبد الله الطويل ولي الخلافة بعد موت أخيه عبد الله السفاح أتته البيعة وهو بمكة فإنه كان حج تلك السنة بعهد السفاح إليه لما احتضر في سنة ست وثلاثين ومائة فدام فيها اثنتين وعشرين سنة إلى أن مات في ذي الحجة‏.‏

وولي الخلافة من بعده ابنه محمد المهدي بعهد منه إليه‏.‏

وقال الربيع بن يونس الحاجب‏:‏ سمعت المنصور يقول‏:‏ الخلفاء أربعة‏:‏ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والملوك أربعة‏:‏ معاوية وعبد الملك وهشام وأنا‏.‏

قال شباب‏:‏ أقام الحج للناس أبو جعفر المنصور سنة ست وثلاثين ومائة وسنة أربعين ومائة وسنة أربع وأربعين ومائة وسنة اثنتين وخمسين ومائة‏.‏

وزاد الفسوي أنه حج أيضًا سنة سبع وأربعين ومائة‏.‏

قال أبو العيناء حدثنا الأصمعي‏:‏ أن المنصور صعد المنبر فشرع في الخطبة فقام رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين اذكر من أنت في ذكره فقال له‏:‏ مرحبًا لقد ذكرت جليلًا وخوفت عظيمًا وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له‏:‏ اتق الله أخذته العزة بالإثم والموعظة منا بدت ومن عندنا خرجت وأيت يا قائلها فأحلف بالله ما الله أردت إنما أردت أن يقال‏:‏ قام فقال فعوقب فصبر فأهون بها من قائلها‏.‏

وإياك وإياكم معشر الناس وأمثالها ثم عاد إلى الخطبة وكأنما يقرأ من كتاب‏.‏

وقال الربيع‏:‏ كان المنصور يصلي الفجر ثم يجلس أو ينظر في مصالح الرعية إلى أن يصلي الظهر ثم يعود إلى ذلك إلى أن يصلي العصر ثم يعود إلى أن يصلي المغرب فيقرأ ما بين المغرب والعشاء الآخرة ثم يصلي العشاء ويجلس مع سماره إلى ثلث الليل الأول فينام الثلث الأوسط ثم ينتبه إلى أن يصلي الفجر ويقرأ في المصحف إلى أن ترتفع الشمس فيجلس للناس فكان هذا دأبه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعًان سواء‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وإصبعان ونصف‏.‏

السنة الرابعة من ولاية موسى بن علي اللخمي على مصر وهي سنة تسع وخمسين ومائة‏.‏

فيها خرج الخليفة محمد المهدي من بغداد فنزل البردان وجهز الجيوش إلى الصائفة وجعل على الجيوش عمه العباس بن محمد العباسي وبين يديه الحسن بن وصيف في الموالي وقواد خراسان وغيرهم فساروا إلى الروم حتى بلغوا أنقرة وفتحوا مدينة يقال لها‏:‏ المطمورة وعادوا سالمين غانمين‏.‏

وفيها فتح الخليفة المهدي الخزائن وفرق الأموال‏.‏

وذكر الربيع الحاجب قال‏:‏ مات المنصور وفي وفيها أمر المهدي بإطلاق من كان في حبس أبيه إلا من كان عليه دم وأشباه ذلك‏.‏

وفيها أعتق المهدي جاريته الخيزران وتزوجها وهي أم الهادي والرشيد‏.‏

وفيها عزم المهدي على خلع ابن عمه عيسى بن موسى من ولاية العهد وتولية ولده موسى الهادي ‏"‏ فكتب إلى عيسى بن موسى بالقدوم عليه ‏"‏ فامتنع عيسى من ذلك‏.‏

وفيها توفي عبد العزيز مولى المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة من الطبقة الرابعة من أهل مكة وكان معروفًا بالعبادة والورع وله أحاديث‏.‏

وفيها أطلق المهدي الحسن وأخاه ولدي إبراهيم بن عبد الله بن حسن وسلم الحسن إلى أمير يحتفظ به فهرب الحسن فتلطف المهدي حتى وقع به بعد مئة‏.‏

وفيها عزل المهدي إسماعيل الثقفي عن الكوفة بعثمان بن لقمان الجمحي وقيل بغيره‏.‏

وفيها عزل المهدي خاله يزيد بن منصور عن اليمن وولاها رجاء بن روح‏.‏

وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر في هذه السنة قال‏:‏ وتوفي أصبغ بن زيد الواسطي وحميد بن قحطبة الأمير وعبد العزيز بن أبي رواد بمكة وعكرمة بن عمار اليمامي وعمار بن رزيق الضبي ومالك بن مغول قيل في أولها ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ويونس بن أبي إسحاق السبيعي وأبو بكر الهذلي واسمه سلمى‏.‏

الماء القديم ذراعًان وثمانية أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا باصبعان‏.‏

السنة الخامسة من ولاية موسى بن علي اللخمي على مصر وهي سنة ستين ومائة‏.‏

فيها عزل المهدي أبا عون عن إمرة خراسان وولاها بعده معاذ بن مسلم‏.‏

وفيها حج بالناس الخليفة محمد المهدي ونزع المهدي كسوة البيت الحرام وكساه كسوة جديدة فقيل‏:‏ إن حجبة الكعبة أنهوا إليه أنهم يخافون على الكعبة أن تهدم لكثرة ما عليها من الأستار فأمر بها فجردت عنها الستور فلما انتهوا إلى كسوة هشام بن عبد الملك بن مروان وجدوها ديباجًا غليظًا إلى الغاية‏.‏

ويقال‏:‏ إن المهدي فرق في حجته هذه في أهل الحرمين ثلاثين ألف ألف درهم منها دنانير كثيرة ووصل إليه من اليمن أربعمائة ألف دينار فقسمها أيضًا في الناس وفرق من الثياب الخام مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب ووسع في مسجد النبي - صلى الله عليه و سلم - وقرر في حرسه خمسمائة رجل من الأنصار ورفع أقدارهم‏.‏

وفيها خلع المهدي ابن عمه عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس من ولاية وفيها توفي إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر التميمي العجلي أبو إسحاق البلخي وأصله من كورة بلخ من أبناء الملوك حج أدهم ومعه امرأة فولدت بمكة إبراهيم هذا فطاف به أبوه حول الكعبة ودار به على الخلق في المسجد وقال‏:‏ ادعوا له‏.‏

قال ابن مندة‏:‏ سمعت عبد الله بن محمد البلخي سمعت عبد الله بن محمد العابد سمعت يونس بن سليمان البلخي يقول‏:‏ كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف وكان أبوه شريفًا كثير المال والخدم والجنائب والبزاة فبينما إبراهيم يأخذ كلابه وبزاته للصيد وهو على فرسه يركضه إذ هو بصوت يناديه‏:‏ يا إبراهيم ما هذا العبث‏!‏ فحسبتم أنما خلقناكم عبثًا‏.‏

اتق الله وعليك بالزاد ليوم الفاقة قال‏:‏ فنزل عن دابته ورفض الدنيا‏.‏

وذكر الذهبي بإسناد عن إبراهيم بن أدهم أنه قيل لإبراهيم بن أدهم‏:‏ ما كرامة المؤمن على الله قال‏:‏ أن يقول للجبل تحرك فيتحرك قال‏:‏ فتحرك الجبل فقال‏:‏ ما إياك عنيت‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعًان وثمانية أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا سواء‏.‏

ولاية عيسى بن لقمان هو عيسى بن لقمان بن محمد بن حاطب الجمحي ‏"‏ بضم الجيم وتقدمها نسبة إلى جمح أمير مصر وليها بعد عزل موسى بن علي اللخمي من قبل أمير المؤمنين محمد الهادي على الصلاة والخراج معًا في سنة إحدى وستين ومائة وكان دخوله إلى مصر في يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقسين من ذي الحجة سنة إحدى وستين ومائة فجعل على الشرطة الحارث بن الحارث الجمحي وهو من بني عمه ثم سكن عيسى هذا المعسكر على عادة أمراء مصر ودام على إمرة مصر مدة يسيرة ثم جاءه الخبر بعزله عن إمرة مصر في جمادى الآخرة لاثنتي عشرة بقيت منها من سنة اثنتين وستين ومائة وولاية واضح مولى أبي جعفر المنصور‏.‏

فكانت ولاية عيسى هذا على مصر نحو خمسة أشهر وهي بسفارة يعقوب بن داود‏.‏

وكان سبب تقدم يعقوب بن داود عند المهدي لما أحضره المهدي عنده في أمر الحسن بن إبراهيم العلوي فقال يعقوب‏:‏ يا أمير المؤمنين إنك قد بسطت عدلك لرعيتك وأنصفتهم وأحسنت إليهم فعظم رجاؤهم انفسحت آمالهم وقد بقيت أشياء لو ذكرتها لك لم تدع النظر فيها وأشياء خلف بابك يعمل فيها ولا تعلم بها فإن جعلت لي السبيل إليك رفعتها فأمره بذلك‏.‏

فكان يدخل عليه كلما أراد ويرفع إليه النصائح في الأمور الحسنة الجميلة من أمور الثغور والولايات وبناء الحصون وتقوية الغزاة وتزويج العزاب وفكاك الأسرى والمحبسين والقضاء عن الغارمين والصدقة على المتعففين فحظي عنده بذلك وتقدمت منزلته حتى سقطت منزلة أبي عبيد الله وحبس‏.‏

وكتب المهدي توقيعًا بأنه اتخذه أخًا في الله ووصله بمائة ألف درهم‏.‏

ولما عزل عيسى هذا عن إمرة مصر قربه إلى المهدي فأكرمه غاية الإكرام‏.‏

السنة التي حكم فيها عيسى بن لقمان على مصر وهي سنة إحدى وستين ومائة‏.‏

على أنه ولي في آخرها غير أننا نذكرها في ترجمته ونذكر سنة اثنتين وستين ومائة في ترجمة غيره لأن كلًا منهما ترجمته غير مستوفاة لقلة اعتناء المؤرخين بهما قديمًا‏.‏

فيها خرج المقنع الخارجي بخراسان - واسمه عطاء وقيل حكيم - بأعمال مرو وادعى النبؤة وكان يقول بتناسخ الأرواح واستغوى خلقًا عظيمًا وتوثب على بعض ما وراء النهر فانتدب لحربه أمير خراسان معاذ بن مسلم والأمير جبريل بن يحيى وليث مولى المهدي وسعيد الحرشي فجمع المقنع الأقوات وتحضن للحصار بقلعة من أعمال كش على ما يأتي ذكره‏.‏

وفيها ظفر نصر بن ‏"‏ محمد بن ‏"‏ الأشعث الخزاعي بعبد الله ابن الخليفة مروان الحمار الأموي المكنى بأبي الحكم وهو أخو عبيد الله وكانا ولي عهد مروان فلما قتل مروان حسبما ذكرناه بديار مصر هرب عبد الله هو وأخوه إلى الحبشة فقتل عبيد الله واختفى هذا إلى أن أتي به إلى المهدي فجلس له مجلسًا عامًا وقال‏:‏ من يعرف هذا فقام عبد العزيز العقيلي إلى جنبه ثم قال له‏:‏ أبو الحكم قال‏:‏ نعم فسجنه المهدي‏.‏

وفيها - أمر المهدي بعمارة طريق مكة وبنى بها قصورًا أوسع من القصور التي أنشأها عمه السفاح وعمل البرك وجدد الأميال ودام العمل في ذلك حتى تم في عشر سنين‏.‏

ثم أمر المهدي بترك المقاصير التي في الجوامع وقصر المنابر وصيرها على مقدار منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم وفيها حج بالناس موسى الهادي ولي عهد المهدي وابنه الأكبر‏.‏

وفيها زاد الخليفة المهدي في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه و سلم وفيها توفي أبو دلامة زند بن الجون الكوفي الشاعر المشهور مولى بني أسد كان عبدًا حبشيًا فصيحًا خليعًا ماجنًا وهو ممن ظهر ذكره في الدولة العباسية من الشعراء‏.‏

ومن شعره وهو من نوع المقابلة ثلاثة بثلاثة‏:‏ ‏"‏ البسيط ‏"‏ ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر على اختلاف يرد عليه في وفاتهم‏.‏

قال‏:‏ وفيها مات أرطاة بن الحارث النخعي وإسرائيل بن يونس وحرب بن شداد أبو الخطاب ورجاء بن أبي سلمة بالرملة وزائدة بن قدامة في أولها وسالم بن أبي المهاجر الرقي وسعيد بن أبي أيوب المصري وسفيان بن سعيد الثوري وعبد الحكم بن أعين المصري ونصر بن مالك الخزاعي الأمير ويزيد بن إبراهيم التستري‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان و عشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وأربعة أصابع‏.‏